تُعتبر المضادات الحيوية من أعمدة الطب الحديث، إذ أنقذت ملايين الأرواح منذ اكتشافها، لكنها في المقابل أصبحت سلاحًا ذا حدين. فقد كشفت الدراسات الحديثة في عام 2025 أن الاستخدام المفرط أو غير المنضبط للمضادات الحيوية لا يقتصر تأثيره على البكتيريا المسببة للأمراض فقط، بل يمتد ليشمل جهاز المناعة، والجهاز الهضمي، والميكروبيوم، بل وحتى التمثيل الغذائي في الجسم.
اضطراب الميكروبيوم وتأثيره على الجهاز الهضمي
أكدت دراسة أجرتها جامعة كوبنهاغن عام 2025 أن المضادات الحيوية تؤدي إلى اختلال توازن الميكروبيوم المعوي، وهو النظام الدقيق من البكتيريا النافعة المسؤولة عن الهضم وحماية الجسم من العدوى. وأشارت الدراسة إلى أن المضادات واسعة الطيف تُحدث تراجعًا في تنوع البكتيريا المفيدة يستمر لأسابيع بعد انتهاء العلاج، مما يؤدي إلى أعراض مثل الإسهال، الانتفاخ، واضطرابات الهضم.
كما أوضح باحثون من جامعة كاليفورنيا أن فقدان التنوع الميكروبي بعد استخدام المضادات الحيوية قد يؤثر على امتصاص العناصر الغذائية ويُضعف الحاجز الواقي للأمعاء، مما يزيد احتمالية الالتهابات المزمنة بالجهاز الهضمي.
تأثير المضادات الحيوية على جهاز المناعة
في دراسة نُشرت مطلع 2025 في المجلة البريطانية لعلم المناعة، تبيّن أن الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية يغيّر الطريقة التي يتفاعل بها الجهاز المناعي مع الميكروبات. حيث لاحظ العلماء أن نقص البكتيريا النافعة يقلل من “تدريب” جهاز المناعة على الاستجابة المتوازنة، مما يزيد من فرص الإصابة بالحساسية والأمراض المناعية الذاتية.
كما أشارت دراسة مشتركة بين جامعة أكسفورد ومعهد “مايو كلينك” الأمريكي إلى أن الأطفال الذين تناولوا المضادات الحيوية في سن مبكرة ارتفعت لديهم احتمالية الإصابة بالربو والأكزيما بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بمن لم يتعرضوا لها.
علاقة المضادات الحيوية بزيادة الوزن ومشاكل الأيض
أظهرت دراسة مقدّمة في مؤتمر “Pediatric Academic Societies” لعام 2025 أن الأطفال الذين تلقوا مضادات حيوية في أول عامين من حياتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بزيادة الوزن في مراحل لاحقة من العمر. وفسّر الباحثون ذلك بأن المضادات تغيّر الميكروبيوم المعوي المسؤول عن امتصاص الدهون وتنظيم عملية الأيض.
وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة طوكيو، تبين أن بعض المضادات الحيوية تؤثر في إنتاج الأحماض الدهنية القصيرة السلسلة داخل الأمعاء، وهي مركبات تلعب دورًا في ضبط مستوى السكر في الدم والتمثيل الغذائي للطاقة. هذا الخلل قد يساهم في السمنة واضطرابات الأيض على المدى الطويل.
تطور مقاومة البكتيريا وتأثيرها على الصحة العامة
تُعد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية أحد أخطر التحديات الصحية التي أكدت عليها منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي لعام 2025، وأشار التقرير إلى أن الإفراط في وصف المضادات الحيوية في المستشفيات والعيادات ساهم في انتشار سلالات بكتيرية مقاومة، مثل “الإشريكية القولونية” و”المكورات العنقودية الذهبية”، ما جعل علاج بعض العدوى أكثر صعوبة وتعقيدًا.
كما كشفت دراسة من جامعة زيورخ أن مقاومة المضادات لا تقتصر على المجال الطبي فقط، بل تمتد إلى البيئة بسبب استخدام هذه الأدوية في تربية الحيوانات والزراعة، وهو ما يؤدي إلى انتقال الجينات المقاومة عبر السلسلة الغذائية إلى الإنسان.
اقرأ أيضًا: ما أفضل مضاد حيوي لالتهاب الحلق؟
التأثيرات قصيرة وطويلة المدى على الجسم
وفقًا لدراسة نشرتها جامعة ميونيخ عام 2025، فإن التأثيرات قصيرة المدى للمضادات الحيوية تشمل اضطرابات الجهاز الهضمي والغثيان وضعف الشهية، بينما التأثيرات الطويلة المدى قد تتضمن خللًا في امتصاص الفيتامينات والمعادن، وضعف المناعة، وزيادة خطر الإصابة بالتهابات متكررة.
وذكرت دراسة سويدية أن الميكروبيوم يحتاج في المتوسط إلى ستة أسابيع ليستعيد توازنه الطبيعي بعد استخدام المضاد الحيوي، بينما قد يمتد ذلك إلى عدة أشهر في بعض الحالات، خصوصًا مع المضادات واسعة الطيف.
كيفية تقليل أضرار المضادات الحيوية
أوصت الجمعية الأوروبية للميكروبيولوجيا السريرية في توصياتها لعام 2025 بضرورة استخدام المضادات الحيوية فقط عند التأكد من أن العدوى بكتيرية وليست فيروسية. كما شددت على أهمية الالتزام بالجرعة والمدة المحددة لتجنب تكوين مقاومة دوائية.
وأوضحت دراسة من جامعة مدريد أن تناول الأطعمة الغنية بالألياف، والخضروات الطازجة، والأطعمة المخمرة، يمكن أن يساعد في إعادة التوازن للميكروبيوم بعد انتهاء العلاج، كما أشارت إلى أن استخدام مكملات البروبيوتيك أثناء العلاج بالمضادات الحيوية يقلل من فرص الإصابة بالإسهال ويُسرّع عملية تعافي الأمعاء.
خلصت الأبحاث الحديثة في عام 2025 إلى أن المضادات الحيوية، رغم ضرورتها لعلاج العدوى البكتيرية، قد تترك آثارًا جانبية تتجاوز الجهاز الهضمي لتشمل المناعة والتمثيل الغذائي. لذلك، فإن ترشيد استخدامها وتجنّب تناولها دون وصفة طبية يمثلان خطوة أساسية للحفاظ على صحتنا العامة وحماية فعالية هذه الأدوية للأجيال القادمة.
مناقشة حول هذا المقال